الأحد، 5 مارس 2023

البساطة مقابل والتعقيد

     البساطة والتعقيد وجهان لعملة واحدة. كلاهما على نفس القدر من الأهمية، وبدون أحدهما ، من المحتمل أن يختفي الكون من الوجود. فلولا تعقيد تركيب الذرة الذي حير علماء الفيزياء لما وجدت العناصر البسيطة كالهيدروجين والأوكسجين.


    ومع ذلك، هناك من يفضل أحدهما على الآخر. يحب بعض الناس الأشياء البسيطة التي يسهل فهمها ، بينما يفضل البعض الآخر الأشياء المعقدة التي تتحدى عقولهم وتجعلهم يفكرون. التوازن بين هاتين القوتين أمر حاسم لعمل الكون ، وبدونه ، كل شيء سيصبح فوضى فوضوية من الأفكار غير المتماسكة ووجهات النظر المتضاربة.





السبت، 4 مارس 2023

قوة الإرادة تصنع المعجزات

    قوة الإرادة هي تلك القوة الخفية! إنه لا يمكن إنكارها برغم غموضها! إنها القدرة على خلق العظمة من العدم ، وإظهار ما هو غير مرئي وجعله حقيقيًا. قوة الإرادة هي القوة التي تدفع البشر أو أي كائن حي آخر لخلق المستحيل، وخلق الجمال من لا شيء سوى أفكارهم وأحلامهم. لكن ما الذي يخلق قوة الإرادة؟ ومن أين تأتي هذه القوة الخفية؟
    الجواب بسيط للغاية ، في الواقع. تأتي قوة الإرادة من العقل البشري - وبشكل أكثر تحديدًا ، من الجزء الغامض من العقل المعروف باسم الروح.



    من المعروف أن قوة الإرادة تصنع المعجزات، مثل اختراع الإنترنت أو بناء ناطحة سحاب. ولكن ما هي المعجزة بالضبط؟ وهل يمكن استخدام قوة الإرادة لخلق معجزات ليست تقنية بطبيعتها؟ 

    المعجزة هي حدث خارق للطبيعة يتحدى كل منطق وتفسير، ولا يمكن تفسيره بعيدًا عن طريق الظواهر الطبيعية. يمكن أيضًا أن تكون ناجمة عن قوة الإرادة في الظروف المناسبة. قوة الإرادة هي القوة التي لا يمكن التنبؤ بها ، وهي قادرة على إحداث معجزات تتحدى حتى أبسط قوانين الفيزياء.




الجمعة، 3 مارس 2023

المبادرة للعمل - استراتيجية النجاح - - الفصل الثالث كتاب: عيون وعيون وآفاق: استراتيجيات النجاج

     العنصر الثاني من عناصر استراتيجية النجاح هو المبادرة للعمل. كم من الخطط والأهداف بقيت حبيسة الأدراج نتيجة عدم المبادرة للعمل لتحقيق هذه الأهداف والخطط! ومن هنا تأتي أهمية المبادرة للعمل. ومن هنا جاء هذا العنصر ثانيا في استراتيجية النجاح. يقول الرسول ( صلى الله عليه وسلم ) : ( بادروا بالأعمال سبعا هل تنتظرون إلا فقرا منسيا أو غنى مطغيا أو مرضا مفسدا أو هرما مفندا أو موتا مجهزا أو الدجال فشر غائب ينتظر أو الساعة فالساعة أدهى وأمر ) رواه الترمذي في سننه. ولعل ما سبق بيانه في فن تحديد الهدف مما يساعد على المبادرة بالعمل لتحقيق الهدف. وسنتناول في هذا الفصل الحديث عن المبادرة للعمل لتحقيق الهدف.

    الفاصل الرفيع المُمَيِّز بين الأحلام والأهداف يكمن في المبادرة للعمل. فبالمبادرة إلى العمل يتحول الحلم إلى حقيقة ويستحق أن يسمى هدفا حينذاك. كثير من الناس يقضي أوقاتا طويلة على أريكته مستلقيا، وربما لو سألته ماذا تفعل؟ أجابك بفمٍ ملآن : أخطط وأضع أهدافا مستقبلية. إن عدم المبادرة للعمل يحول الأهداف إلى مجرد أحلام لا تقدم ولا تؤخر.

   

الخط الرفيع الفاصل بين الاسترخاء والاستمتاع بالأحلام الوردية والعمل الجاد لتحقيق الأهداف

    جلس ثلاثة حمّارين ( عمّال على الحمير ) يتجاذبون أطراف الحديث في وقت استراحتهم. فقال أحدهم : ماذا يتمنى كل منكم أن يطلب مني لو صرت حاكما لهذه البلدة! فقالوا له : وماذا يمكن أن نتمنى من حمّار. فقال لهم : يوما ما سأصبح الحاكم، فليتمنّ كل منكم أمنية وسأحققها له. فقال أحدهم : أتمنى أن أحصل على كذا وكذا ، وذكر أمنيته. أما الآخر فقال على سبيل التهكم : إذا أصبحت الحاكم، فأركبني على حمار واجعل وجهي نحو الخلف ودُر بي في شوارع المدينة مناديا بأقذع ما يخطر على بالك من العبارات عليَّ. وكانت هذه طريقتهم في التشهير بالآخرين.
    ومرت الأيام، وبينما كان حاكم المدينة يجلس في ديوانه، تذكر تلك الحادثة فأمر أحد جنوده بالذهاب إلى مكان وصفه له، وقال له : ستجد هناك رجلين حمّارين فات بهما. ذهب الشرطي إلى العنوان الموسوم فوجد الرجلين، فقال لهما : إن الحاكم يريدكما، فنظر أحدهما إلى الآخر كأنما يتساءلان : وماذا يريد الحاكم منا؟ فلما صارا في ديوان الحاكم أخذ يذكرهما بالحديث الذي دار بينهما وبين صديقهما الحّمار، فلما تذكرا الحادثة، أخذا يتفرسان في وجه الحاكم ويسألان : وكيف عرفت بتلك الحادثة؟ وبينما هما يتفرسان في وجهه، تملكهما العجب. فإن صاحبهما الحمّار هو الجالس على كرسيّ الحاكم. فقال لهما : لقد آن أوان الوفاء بالوعد. فتهلل وجه الأول، أما الآخر فأخذ يتلجلج في الكلام ويقول : يا سيدي الحاكم : لقد كانت مجرد أحاديث نُزجي بها الوقت. فقال : كلا لم تكن كذلك، وإنما كان وعدا قطعته على نفسي، وقد آن أوان الوفاء...
    نعم لم تكن مجرد أحلام فقد بادر إلى العمل حتى وصل إلى ما كان يهدف إلى الوصول إليه. فرسم الأهداف والحلم بتحقيقها ينبغي أن يتبعه على الفور المبادرة للعمل حتى يتحول الحلم إلى حقيقة.
    نحتاج أثناء عملنا لتحقيق أهدافنا إلى إرهاف الحواس للتحقق من أننا نسير نحو الهدف المرسوم. عندما حددنا أهدافنا في المرحلة الأولى، وضعنا مجموعة من المواصفات التي تعرِّف هدفنا، قد يكون ضمن هذه المواصفات معلومات كمية وكيفية توضح طبيعة هذا الهدف، وخلال المرحلة الثانية ( المبادرة للعمل ) يجب علينا أن نُرْهِفَ حواسنا للتأكد من وصولنا إلى الهدف بنفس المواصفات والمعايير. إرهاف الحواس يساعدنا على جمع أكبر قدر من المعلومات البصرية والسمعية والحسية عن الهدف بحيث يمكن مقارنتها مع المواصفات المطلوبة للهدف، فإن تحققت تلك المواصفات فنكون بذلك قد أنهينا الاستراتيجية بتحقيق الهدف وإلا فعلينا البحث عن طريقة أخرى تحقق هدفنا وذلك من خلال عنصر المرونة من عناصر الاستراتيجية. كلما كانت قدرتك عالية على إرهاف حواسك، كلما ازدادت درجة نجاحك في تحقيق الهدف، لقدرتك على التحقق من وصولك للأهداف المرسومة لا غيرها.

 

خلق الله الانسان وزوده بالحواس الخمس وأعطى كل حاسة قدرات محددة. تعمل هذه الحواس في النطاق الذي حدده الخالق سبحانه وتعالى، ولكن مع مرور الزمن تصاب هذه الحواس بما يطلق عليه تبلد الحسّ. يمكن أن نفسر تبلد الحس بأنه نظرا لتكرر الاحساس بشئ ما فإن عقل الانسان يغفل هذا الشئ في المستقبل نظرا لأنه أصبح شيئا مألوفا. هذه العملية تحدث مع جميع الحواس الخمس. ونظرا لذلك نحتاج من وقت لآخر أن نقوم ببعض التمرينات للحواس التي تعيد لها النشاط وترفع من قدراتها. وكمثال على ذلك كتمرين لحاسة البصر تأمل في مشهد معين لمدة دقيقة ثم أغمض عينيك وصف ذلك المنظر لزميل بكل تفاصيله، ثم افتح عينيك وتأمل المنظر دقيقة أخرى ثم أغمض عينيك وصف المشهد مرة أخرى ستجد أن هناك عناصر لم تذكرها في المرة الأولى.

تأمل في الصورة التالية لمدة نصف دقيقة وعدّ كم وجها ترى؟ تأمل مرة أخرى لمدة نصف دقيقة، كم وجها جديدا يمكنك رؤيته؟ تأمل مرة ثالثة، هل يمكنك رؤية مزيد من الوجوه؟ 


    هل لا حظت كم من المعلومات الجديدة يمكنك اكتسابها بإرهاف حاسة واحدة فقط! فكم من المعلومات ستكتشف لو أرهفت جميع حواسك!!
    أمر آخر يؤثر على دقتنا في رصد المعلومات هو التركيز. تركيزنا على أمر محدد يفقدنا التركيز على الأمور الأخرى حتى ولو كانت في مجال حواسنا. قم بالتمرين التالي لترى هذا الأمر في حاسة البصر. مد ذراعك أمام وجهك وارفع اصبع السبابة بحيث يقع في مجال بصرك. قم الآن بالتركيز ببصرك على نقطة تقع خلف إصبعك بينما يبقى الاصبع مكانه. لاحظ أنه كلما ازداد تركيزك على تلك النقطة قل ادراكك لاصبعك حتى يكاد يختفى. نفس هذه الظاهرة يمكن ملاحظتها مع السمع والحواس الأخرى.
    من المهم جدا أثناء عملنا لتحقيق أهدافنا أن نرهف حواسنا بشكل كامل لتساعدنا على ملاحظة مواصفات الهدف وهذا سيختصر الوقت اللازم لتحقيق الهدف. كما أن هذه الحواس ستلاحظ تتابع الدلائل التي تدلنا على اقترابنا من أهدافنا، وملاحظتنا لهذه الدلائل سيزيد من جذوة الحماس لهذه الأهداف بشكل كبير.

اللحظة الملهمة

اللحظة الملهمة، لحظة مميزة في حياتي جعلتني أشعر وكأنني أمتلك قوى خارقة كانت عندما أكملت أول ماراثون لي. لقد تدربت قبلها لأشهر، ودفعت نفسي أكثر فأكثر كل يوم نحو إكمال مسافة الماراثون، وكنت مصممًا على الفوز مهما كان الأمر. وفي يوم الماراثون، وعندما عبرت خط النهاية أخيرًا، شعرت بإحساس عظيم بالإنجاز لم يكن مثل أي شيء جربته من قبل. أحسست أني قد تجاوزت حدودي الجسدية والعقلية وخرجت منتصرا. دفعتني هذه اللحظة لمواصلة تحدي نفسي في مواقف مختلفة وعدم التخلي عن أهدافي. نتيجة لذلك ارتفعت ثقتي بنفسي وإيماني بقدراتي وشعوري بمعية ربي، وشعرت بالقوة لمواجهة أي تحد يواجهني!









الإلهام

الإلهام هو ذلك الشعور بالحافز والحيوية لتحقيق شيء ما. يمكن أن يأتي من مجموعة متنوعة من المصادر ، مثل كتاب أو شخص ملهم أو مهمة صعبة أو ببساطة جمال الطبيعة. يمكن أن يكون الإلهام قوة قوية تساعدك على الاستمرار في التركيز وتوليد الأفكار واتخاذ الإجراءات وخلق شيء مذهل.


عندما تشعر بعدم التحفيز ، قد يكون من المفيد البحث عن مصادر الإلهام التي تحفزك عادة. ربما تكون آية، أو يكون حديث TED ، أو اقتباس من مؤلف مفضل ، أو محادثة مع صديق. مهما كانت ، يمكن أن تكون الشرارة التي تشعل إبداعك وتحفيزك.

يمكن أن يكون الإلهام سريعًا وتنساه سريعا أيضا ، لذا من المهم أن تتخذ إجراءً عندما تشعر بالإلهام. بدلاً من مجرد التفكير في الأفكار ، اكتبها أو شاركها مع الآخرين أو اتخذ خطوات صغيرة نحو تحقيق هدفك. حتى إذا كنت لا تعرف من أين تبدأ ، فإن اتخاذ إجراء هو أفضل طريقة لإحراز تقدم.


الإلهام أداة قوية يمكن أن تساعدك على البقاء متحمسًا وتحقيق أهدافك. ابحث عن مصادر الإلهام ، واتخذ إجراءات عندما تشعر بالإلهام ، ولا تخف من مشاركة أفكارك مع الآخرين. بقليل من الإلهام ، يمكنك تحقيق أشياء عظيمة. وبالاستمرار يتحسن أداؤك يوما بعد يوم.

الخميس، 2 مارس 2023

النجاح رحلة: فن تحديد الهدف - الفصل الثاني كتاب: عيون وعيون وآفاق: استراتيجيات النجاج

 النجاح رحلة: فن تحديد الهدف

    عرفنا في الفصل السابق استراتيجية النجاح وأنها تحتوي على ثلاثة عناصر. فتعال بنا لنجلس مع كل عنصر من العناصر الثلاثة جلسة هادئة وقصيرة لنتعرف على خصائصها والجوانب الهامة فيها والتي ستساعدنا لنجعل من استراتيجياتنا استراتيجيات ناجحة بإذن الله. ولنبدأ بعنصر تحديد الهدف.

    الهدف للإنسان كالمنار للسفينة، وكبرج المراقبة للطائرة. بدونه تتيه السفينة في المحيط وتتخبط الطائرة في الفضاء. هذا العنصر هو أهم العناصر الثلاثة وعليه ينبني ما بعده. وإذا تحقق بنجاح كان احتمال نجاح ما بعده، وإلا فالفشل سيكون مصير الاستراتيجية كلها.

    وهذا من الأمور البدهية فالانسان الناجح هو ذلك الانسان الذي يسير ويتحرك ويتصرف ويتكلم بناء على أهداف مرسومة يعمل على تحقيقها، أما الانسان الذي ليس له أهداف فإنه سيبقى يراوح مكانه.

    أجرى أب اختبارا لأبنائه فوضع لهم هدفا ليصوبوا نحوه. فوقف الأول في موقف التصويب، فسأله ماذا ترى؟ فقال : أرى الهدف وأرى الشجرة التي وضَعَتَ عليها الهدف، وأرى حمارا إلى جوار الشجرة. فطلب منه التأخر وقدم الثاني إلى موقف التصويب، وسأله نفس السؤال، فقال الابن : أرى الهدف، والشجرة، والحمار، وأرى عصفورا على الشجرة. فطلب منه التأخر وقدم الثالث، وسأله نفس السؤال، فقال الابن الثالث : أرى الهدف. فسأله وماذا ترى غير الهدف؟ فقال : لا أرى غير الهدف. فكرر السؤال عدة مرات والابن يجيب بنفس الجواب. فقال الأب : أنت الذي ستصيب الهدف.

    وأهمية تحديد الهدف تتضح أكثر إذا علمنا أن هذه العملية تؤثر على العقل اللاواعي للإنسان ويصبح بالتالي يسير نحو الهدف تلقائيا. هل سرت ذات مرة في الطريق لقضاء حاجة ما، فوجدت نفسك قد وصلت إلى المنزل أو مكان عملك دون أن تشعر. من الذي قادك إلى هناك؟ نعم، إنه اللاواعي. إذا استطعت أن تغرس أهدافك بشكل عميق في عقلك اللاواعي فإنه بالتالي سيقودك بشكل تلقائي نحو الهدف.

    سنتعرف في الفقرات التالية على خصائص الهدف الناجح وكيف تغرسه في اللاواعي بشكل عميق بحيث ترعاه بشكل دائم ومتكرر وتسقيه وتغذيه حتى ينمو ويترعرع وكأنما تراه يلوح لك من بعيد وتسمع صوت ندائه وهو ينادينك بصوت عذب جميل أن هلم إلي فأنا في انتظارك.

 خمسة شروط للحصول على أهداف تنبض بالحياة :

  1. التحديد والوضوح

    لابد أن يكون الهدف محددا حتى أسعى لتحقيقه، فإذا قلت أن هدفي رفع الانتاج مثلا. فهذا هدف غير محدد. فلا بد أن يكون هناك معايير لقياس هذا الهدف من خلال الكمية أو النوعية أو النسبة المئوية أو الزمن أو جميعها. فأجعل هدفي رفع الانتاج بنسبة 10% خلال 6 أشهر مع المحافظة على مستوى الجودة. وبتفكيرك في الجوانب التي تحدد الهدف وتوضحه تكون قد غرست البذرة في الطريق نحو جني الهدف.

  1. أن يكون إيجابيا وأن يستحق العمل من أجله

    هذه الخاصية ستكون إطارا للخاصية الأولى. فتختار من الأهداف ما يستحق أن تبذل وقتك وجهدك من أجله وتصوغه صياغة إيجابية. فمثلا هدفي أن لا أكون سمينا. فصيغة النفي تعمل بشكل عكسي فترسخ صورة السمنة في اللاواعي. فأنا إذا قلت : لا تفكر في أسد أخضر اللون ينام على ظهره رافعا أرجله إلى الأعلى. فإنك بالتأكيد قد فكرت في تلك الصورة مع أنني طلبت منك ألا تفكر. إذن أهدافك ينبغي ألا تشتمل على صيغة النفي أو النهي أبدا.

 


  1. أن تكون مسئولية تحقيقه على نفسك

    عندما تضع أهدافك ينبغي أن تكون أهدافك أنت فعلا لا أهداف شخص آخر وبالتالي فمسئولية تحقيقها ستكون عليك أنت بشكل كامل. لا يعني هذا أن لا نستعين بأحد ولكن عليك أن تتابع الأمر وتتحقق من سير الأمور على نحو يحقق الهدف. فالهدف التالي مثلا عندما يضعه أب لنفسه : أن يحصل إبني على الإمتياز في الدراسة، لا يحقق هذا الشرط. فالحصول على إمتياز في الدراسة ينبغي أن يكون من أهداف الإبن، أما الأب فيمكن أن يكون هدفه أن أراجع مع إبني دروسة بمعدل ساعة/ساعتين كل أسبوع، مثلا. تحمل المسئولية سيكون أول غذاء تغذي به هدفك لأنك بذلك تزرع الثقة والمسئولية في نفسك وتبدا التَحَفُّز للعمل.

  1. التفكير في الدلائل التي تبين الاقتراب من تحقيقه

    الهدف شئ رائع أن يعمل للوصول إليه الانسان. ولكن كيف أعرف إن كنت أقترب من هدفي أو أبتعد عنه أو كنت أراوح في مكاني. نحتاج عند وضع أهدافنا إلى تحديد العناصر والعوامل التي تدلنا على المسافة المتبقية للوصول إلى الهدف. فالسائق الذي يقود سيارته نحو هدف يبعد 10 كيلومترات مثلا، يراقب عداد الكيلو ليحدد كم بقي له حتى يصل هدفه. فلديه أداة تخبره دائما باقترابه من هدفه. وكل منا يحتاج مثل تلك الأداة التي تنير طريقنا وتساعدنا على التعديل في مسارنا وتشعرنا بالثقة بأننا نسير نحو الهدف.

    وجود مثل هذه الأداة سيكون له دور إضافي في تحفيزنا على الاستمرار في السير نحو الهدف. حيث نشعر بتقدمنا في الطريق بعكس من يسير دون أية دلائل على تقدمه فإنه قد ييأس نتيجة عدم وجود ما يشعره بحركته وتقدمه.

    فلو وضع بائع لنفسه هدفا أن يرفع مبيعاته بنسبة 10% خلال 3 أشهر مثلا. فأحد الدلائل على اقترابه من هدفه أن ترتفع مبيعاته بعد شهر بمقدار 2%، فيحفزه ذلك على الاستمرار. دليل آخر على ذلك أن يتلقى خطاب شكر من رئيسه على جهوده لرفع مبيعاته. دليل آخر أن يتلقى المزيد من طلبات الشراء من عملائه. ودليل آخر أن يتعرف على عملاء جدد مما يزيد من فرصه لرفع المبيعات ... وهكذا. مجرد التفكير في مثل هذه الدلائل قبل وقوعها فعليا وتخيلها وكأنها تحدث مع تأمل صورها وسماع أصواتها واستشعار مشاعر الفرح بالنجاح يعتبر كالماء والسماد لللأهداف يغذيها وينميها ويزيدنا قناعة بها وبإمكانية تحققها مما يشكل حافزا لنا على بذل المزيد من أجل الوصول إليها. 

  1. التأمل في الآثار السلبية والإيجابية

    التأمل في الآثار السلبية والإيجابية للهدف جانب مهم للغاية في حياة الهدف. فلو وجد الانسان أن الهدف الذي يسعى إليه سيكون له آثار سلبية على حياته تفوق الفوائد التي سيجنيها منه فعليه أن يختار بين أمرين. إما أن يجد حلولا لتلافي الآثار السلبية قبل الشروع في العمل من أجل الهدف أو إلغاء الهدف لأنه غير مجد ولا يستحق العمل من أجله. وكمثال على الآثار السلبية : الانسان الذي يرغب في إكمال دراسته العليا، إذا وجد أن تحقيق هذا الهدف سيعيقه عن عمله الذي هو مصدر رزقه، وسيعيقه عن تربية أبنائه تربية سليمة والوفاء بحقوق الزوجية نحو زوجه، ولم يجد أي وسيلة لتخفيف هذه الآثار، فإن العمل من أجل هذا الهدف يمكن أن يدمر حياته فعليه إلغاءه أو على الأقل تأجيله.

    بعد التحقق من الاحتياطات اللازمة للآثار السلبية ننتقل إلى دراسة الآثار الإيجابية. ونقصد بالآثار الإيجابية الجوانب التي ستتحسن في حياتك كنتيجة حتمية لتحقق الهدف. والتعرف على هذه الجوانب بشئ من الاستقصاء يؤدي إلى زيادة الحافز من أجل تحقيق الهدف بل ويجعل العمل من أجله ممتعا كذلك. فالطالب الذي وضع له هدفا أن يحصل على شهادة البكالوريوس بتقدير ممتاز في مجال تخصصه، سيكون من الآثار الإيجابية قدرته على الحصول على وظيفة أو إكمال دراسته العليا بحسب رغبته. ومن آثار تحقق ذلك الهدف أيضا حصوله على المكافأة التي وعده بها أبوه. ومنها أن يحضر حفل التخرج في الجامعة ويتسلم شهادته من مدير الجامعة في حفل مهيب ويعيش تلك اللحظات بكل حواسه، فيتخيل صورة ذلك الحفل كفلم متحرك يحدث الآن ويستمع إلى الكلمات التي تلقى في الحفل ويسمع التهاني وهي تقدم له من أهله وأصدقائه، ويشعر بمشاعر الفرح والفخر والسرور والراحة وكل ما يتمنى أن يشعر به في ذلك اليوم. كل هذا سيقوم به عند وضعه للهدف ، أول السنة على سبيل المثال، ولكن معايشته لهدفه بهذه الطريقة سيلهب حماسه للعمل على تحقيق ذلك الهدف. وسيصبح تذكر هذه الصور والأصوات كالوقود له ينشطه كلما فَتَرْ. وكل ما سيحتاجه هو أن يتذكر صورته وهو يعيش حفل التخرج ويعيش التجربة لثوان مما يعطيه جرعة هائلة من الحماس. وسيكون هذا الخيال أفضل غذاء يغذي به الإنسان نبتة هدفه الصغيرة لتنمو وتترعرع وتنبض بالحياة ويأتي أوان حصادها بإذن الله.

    تناولنا في هذا الفصل العنصرالأول من عناصر استراتيجية النجاح وهي تحديد الهدف. وسنستكمل باقي العناصر في الفصول التالية. ولكن قبل الاستعجال بمواصلة القراءة تدرّب الآن على مهارة تحديد الأهداف، حتى تجعل من أهدافك كائنات حية تنمو وتترعرع وتزهر وتثمر وترفع يدها ملوحة لك وتناديك بصوتها أن هلم إلىَّ فأنا مستقبلك الزاهر.

النجاح رحلة استراتيجية النجاح - الفصل الأول من كتاب: عيون وعيون وآفاق: استراتيجيات النجاح

 

النجاح رحلة

استراتيجية النجاح

    على مر الزمان كان هناك رجال ونساء حققوا النجاح في حياتهم وخلَّد التاريخ أسماءهم. في العلوم خلَّد التاريخ أرسطو وأفلاطون وأرخميدس وابن النفيس والفارابي وأديسون وأينشتاين ...، وفي الخطابة والدعوة والتضحية خلَّد التاريخ موسى وعيسى ومحمد ( عليهم الصلاة والسلام ) وخلَّد قسّ بن ساعدة وأئمة الدعوة الإسلامية على مرِّ العصور. وفي العمارة خلَّ المهندس سنمَّار ... ومن النساء خلَّد مريم وفاطمة وعائشة والخنساء ( رضي الله عنهن )، وأخريات غيرهن ممن كان لهن باع في العلوم والفنون المختلفة. وفي القيادة والفنون العسكرية خلَّد التاريخ الاسكندر المقدوني، وخالد بن الوليد وسعد بن أبي وقاص ( رضي الله عنهما )، وصلاح الدين الأيوبي ومحمد الفاتح ( رحمهما الله ) وغيرهم كثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم.

     النجاح، هذا المعنى الجميل الذي يسعى كل إنسان لتحقيقه. النجاح في العلاقات، والوظيفة، والدراسة والسياسة والعسكرية والطب والهندسة...إلخ، والنجاح في الحياة عموما هدف يرنو ويتطلع إليه كل طموح.

                                         أبارك في الناس أهل الطموح ** ومن يستلذ ركوب الخطر

    هل تعرف أناسا ناجحين في حياتهم؟ بالتأكيد الجواب نعم. إذن كيف استطاع هؤلاء تحقيق النجاح؟ ما هي استراتيجيتهم للنجاح؟ وهل يمكنني ويمكنك أن تستفيد من تجاربهم وتسقطها على واقعك وحياتك؟ بالتأكيد الجواب نعم كذلك. فكيف يكون ذلك ؟؟

    الاستراتيجية كما يعرفها علماء الإدارة هي الطريق الدائم الذي يسير عليه الإنسان في حياته. ونحن نحتاج دائما إلى الاستراتيجيات في مواقف مختلفة من حياتنا. فنحتاج على سبيل المثال إلى استراتيجية للحوار مع الأبناء، واستراتيجية لعرض خدماتنا على العملاء، واستراتيجية أخرى لتوزيع الوقت بين مشاغل اليوم... وهكذا. إذن فإن الانسان يستخدم العديد من الاستراتيجيات اليومية في حياته وعلاقاته. فإذا عرفنا استراتيجيات الناجحون واستخدمناها فستقودنا إلى النجاح، بإذن الله. فما هي استراتيجية النجاح ؟!!

    إن الاستراتيجيات التي يستخدمها الانسان في موقف ما قد تقوده للنجاح في المهمة وقد تفشل. وهذه الاستراتيجيات انغرست وانطبعت في نفس الانسان وعقله منذ الصغر فهو يستخدمها بشكل تلقائي ( لاواعي )، ويستطيع تغييرها إذا تنبه للعيب الذي فيها وعمل على تعديلها ذلك. وسنتعرف في هذا الفصل على خصائص استراتيجيات النجاح لدى الناجحين، ويستطيع كل إنسان بعد ذلك بدراسة استراتيجياته أن يعرف إن كانت تتحلى بتلك الخصائص أم لا.

    ولعل القصة التالية تكون أبلغ في التعبير عن مفهوم الاستراتيجية. يحكى أن رجلا أعمى جلس على احدى عتبات عمارة ووضع قبعة بين قدميه وبجانبه لوحة مكتوب عليها: " أنا أعمى أرجوكم ساعدوني". فمر رجل متخصص في الدعاية والاعلان بالأعمى ووقف ليرى أن قبعته لا تحوي سوى قروش قليلة فوضع المزيد فيها، ومن دون أن يستأذن الأعمى أخذ لوحته وغير الإعلان المكتوب عليها. عندما انتهى أعاد وضع اللوحة عند قدم الأعمى وذهب في طريقه.

    وفي نفس ذلك اليوم مر رجل الإعلانات بالأعمى ولاحظ أن قبعته قد امتلأت بالقروش والأوراق النقدية. فعرف الأعمى الرجلَ من وقع خطواته فسأله إن كان هو من أعاد كتابة اللوحة؟ وماذا كتب عليها! فأجاب الرجل: " لا شيئ غير الصدق، فقط أعدت صياغتها". وابتسم وذهب. عرف الأعمى لاحقا أن ذلك الرجل قد كتب على لكن اللوحة : " نحن في فصل الربيع لكنني لا أستطيع رؤية جماله". النص الأول يذكر الحقيقة مجردة، أما النص الثاني فإنه يبين ما يترتب على هذه الحقيقة من ألم. وهنا يكمن الفرق في الاستراتيجية.

    ولعل أفضل وسيلة للتعرف على الاستراتيجيات الناجحة وخصائصها هو التعرف على استراتيجيات الناجحين في الحياة. وبتتبع ودراسة العديد من الشخصايات الناجحة وجد أن هناك خصائص مشتركة تربط بين استراتيجيات هؤلاء الناجحين وسنتناول هذه الخصائص بالشرح والتوضيح في الأسطر التالية :

    ولنبدأ أولا بالتعرف على عناصر الاستراتيجية. النموذج التالي يوضح العناصر الثلاثة الأساسية للإستراتيجية. وهذا النموذج بني على أساس العديد من الدراسات التي أجريت بغرض نمذجة (modeling) (وضع نموذج عام يمثل) الشخصيات الناجحة. وقد وجد أن الاستراتيجية الناجحة تحتوي على ثلاثة عمليات أساسية :

  1. تحديد الهدف،
  2. المبادرة للعمل،
  3. المرونة.

 


    فبالنظر إلى النموذج السابق فإن الاستراتيجية الناجحة تبدأ بتحديد الهدف المراد الوصول إليه، ثم يبادر الانسان بالعمل لتحقيق ذلك الهدف مع التركيز وإرهاف الحواس للتحقق باستمرار من أنه يسير باتجاه الهدف، وفي هذه الأثناء يتساءل باستمرار، هل تحقق الهدف، فإذا كانت الإجابة نعم أوقف العمل، وإلا اتجه إلى عملية المرونة للبحث عن وسائل أخرى توصله للهدف، ثم عاد إلى العمل وهكذا.

    فعلى سبيل المثال إذا كان البائع يتحاور مع مشترٍ ليقنعه باتمام عملية الشراء، فعلى البائع قبل البدء بالعمل أن يحدد هدفه. فلو بدأ الحواء مع المشتري بدون هدف فإن الحوار ربما يتحول إلى حوار في الاقتصاد أو السياسة أو قد يخوض في المشكلات الاجتماعية وينتهي الوقت ولم يحقق البائع هدفه. إذن يبدأ البائع بتحديد الهدف ولنقل إنه إقناع المشتري بجودة السلعة وأنها ستؤدي الغرض الذي يسعى المشتري لتحقيقه وبسعر مناسب. والآن يمكن أن يبدأ بالعنصر الثاني من الاستراتيجية وهو : المبادرة للعمل لتحقيق الهدف مع إرهاف الحواس. فيبدأ الحوار مع المشتري ويسأله عما يريد، فإذا قال المشتري أنه يبحث عن هدية لصديق بمناسبة نجاحه، فيعرض عليه بعض الهدايا عالية الجودة المناسبةللغرض ، فإذا لم يناسبه شئ منها، اتجه نحو عملية المرونة ليختار طريقة أخرى والتي قد تكون من خلال السعر، فيعرض مجموعة أخرى ذات سعر أرخص، فإذا لم يناسبه شئ منها، اتجه نحو المرونة مرة أخرى وربما سأل المشتري عن المواصفات التي يرغب في توفرها في الهدية. وهكذا يستمر في التنويع في أساليبه وخياراته مستعينا بصندوق العدة ( المرونة ) حتى يصل إلى هدفه وتنتهي العملية.

    إن ما يميز بين الإنسان الناجح والفاشل هو عنصر المرونة. فالإنسان الناجح يمتلك مخزونا كبيرا من البدائل والأساليب والأدوات في صندوق عدّته. فإذا لم تفلح الأداة الأولى جرّب الثانية ، وهكذا حتى يحقق هدفه.

    كان هذا ملخص استراتيجية النجاح في شكلها العام. وهي عبارة عن طريقة دائمة يستعملها الانسان لتحقيق أهدافه، تبدأ بتحديد الهدف أولا، ثم تبادر للعمل لتحقيق الهدف مع إرهاف الحواس ثانيا، وتقوم بتغيير الوسيلة لتحقيق الهدف باستخدام صندوق العدَّة ( المرونة ) ثالثا.

البساطة مقابل والتعقيد

       البساطة والتعقيد وجهان لعملة واحدة. كلاهما على نفس القدر من الأهمية، وبدون أحدهما ، من المحتمل أن يختفي الكون من الوجود. فلولا تعقيد ...